الثلاثاء، 24 مايو 2011

الاستثمار في العراق



كثرت في السنوات الأخيرة المؤتمرات والندوات لتشجيع أصحاب رؤوس الأموال والشركات الدولية ، للدخول إلى العراق وتنفيذ المشاريع الإستثمارية في مختلف المجالات في بلد يسكنه حوالي 25 مليون نسمة، ويعتمد اقتصاده حالياً على تصدير النفط.
ولكن من يدعو المستثمرين لجلب خبراتهم وأموالهم إلى العراق، لا يوضح لهم السلبيات والعقبات والمخاطر التي سيواجهها المستثمر إذا تورط في الدخول في نفق العراق المظلم أستثمارياً، لذلك يمكن أيجاز ظروف ووقائع الاستثمار والقوانين المتعلقة بذلك وفقاً لما نوضحه أدناه.
قبل كل شيء يسأل أي مستثمر دولي، إذا كان العراق يصدر النفط يومياً بمعدل مليوني برميل أي 6 مليار دولار شهرياً تقريباً بمعدل سعر 100 دولار للبرميل، فلماذا يحتاج لأموال المستثمرين ويدعوهم ويشجعهم للمجيء؟
والمعروف إذا توفر المال يجب توفر المعرفة، وهي موجوده في داخل وخارج العراق، ويمكن الحصول عليها بعقود وأجور بسيطة لا تذكر من ميزانية الدولة.
وإذا وجد المستثمر أن العراق يحتاج إلى مشاريع معينة تتطلب اموالاً ضخمة كمشاريع النفط، فإنه يتحول إلى ما تحتاجه الحكومة من مشاريع متوسطة كالإسكان وليس المشاريع الصناعية، لأن الطاقة الكهربائية معدومة للسكان ولا يمكن التفكير في الصناعة إطلاقاً في هذا الوضع.
لهذا يتركيز البحث والإعلام والدعوات إلى مشاريع بناء المساكن والفنادق والمستشفيات والمدارس، وتم إقرار قانون الاستثمار رقم 13/2006 والتعديلات والترقيعات والأنظمة المتعلقة به لهذا الغرض.

هـل الاستثمـار إنتحـار فـي العـراق؟
لكي يدرس المستثمر الأجنبي كيفية إنشاء أي مشروع في العراق سيزيح أولاً كافة المشاريع النفطية سواء الحفر و التمديدات والمصافي وغيرها لأنها تتم وفق عقود سياسية وضمانات لا حصر لها مع أي حكومة سواء شرعية أو غير شرعية، ويتم حفظ حقوق الأجنبي وفقاً للقوانين التجارية وهيئات التحكيم والمحاكم الدولية، وإذا تطلب الأمر فأن حكومات الأجانب ترسل جيوشاً لإنتزاع حقوق المستثمر أضعاف ما يستحق للوصول أحياناً إلى احتلال البلد الذي تجرأ وخالف شروط التعاقد مع المستثمر الأجنبي، والأمثلة كثيرة في يومنا هذا سواء في أفريقيا أو الشرق الأوسط، وهكذا يتحول الأمر إلى كارثه وينحني حكام البلد أمام شروط شركات النفط وغيرها.
بعد ذلك يتحول المستثمر الاعتيادي وفقا لطاقته المالية وخبرته إلى المشاريع الأخرى التي يمكن تنفيذها وهي مشاريع الإسكان بالدرجة الأولى، لأن الدولة بحاجة ماسه إليها بعد تدمير أعداد كبيره من البيوت والمراكز الخدمية والمدارس والمستشفيات خلال السنوات الثمانية الأخيرة بسبب الحروب والتهجير وهجرة الفلاحين إلى المدن لإستحالة الاستمرار في الأعمال الزراعية لعدم وجود الأمان وخوفا من الخطف والقتل وعدم توفير الدعم للقطاع الزراعي من الأصل.
هنا يدرس المستثمر قانون الاستثمار رقم 13 الصادر بعد احتلال العراق سنة 2003، فماذا يجد؟
يجد أن من وقع القانون بصفة رئيس مجلس الوزراء أو من صادقوا على القانون بصفة مجلس النواب، هم جميعاً وقعوا على اتفاقية أمنية تطالب بوجود قوات عسكرية لضمان وجودهم، إذن كيف يعقل أن يدخل المستثمر بأمواله وعماله ومعرفته إلى بلد فيه مجموعة تحكم بضمان قوات أجنبية، مما يعني أن ضمان استثمارات المستثمر صفراً !
فالحكومة التي لا تضمن نفسها لا تضمن المستثمرين وموجوداتهم!!

ثـم ماذا عن القانون عند الخلاف؟
تصر كافة التعاقدات وإجازات الاستثمارات على أن أي خلاف مع المستثمر الأجنبي يتم خلال المحاكم العراقية؟ حسناً لا غبار على ذلك، ولكن أين هو القضاء النزيه بعد سنة 2003، فقرارات معظم القضاة تشترى كما تشترى السيارات، ومعظم المحامين الجدد تحولوا إلى باعة للقضايا، ومراكز الشرطة أصبحت دكاكين لتزوير الحقوق، والمصيبة الكبرى أن القضاء صار أضعف من قوى العشائر التي بإمكانها إصدار قرارات نافذه فورية خلال ساعات بدلا من سنوات المحاكم إن عدلت، أي أن دخول قانون العشائر يلغي قانون الدولة من الأساس!
ومن يمنح إجازات الاستثمار؟
وفقاً لتعديل القانون ( تشكل في المحافظات هيئات استثمار لها صلاحيات منح إجازات الاستثمار) أي أن الحكومة رمت مسؤولية الاستثمار على المساكين ممن يديرون المحافظة الذين لم يفلحوا في تدبير تنظيف الأزقة وتنظيم عربات وبسطيات الشوارع، وبات عليهم دراسة وإصدار إجازات الاستثمار لمئات من المدن السكنية ومتطلباتها؟
هل يعقل أن لجنة هيئة الاستثمار تتكون من أشخاص يتحدثون عن معرفتهم فقط بصراعات وفتن القرن الهجري الأول، يمكنهم الاتفاق علميا مع مهندسين من أوربا وآسيا تمكنوا من
استخدام الفضاء والبحار والكومبيوتر لخدمة البشر، وإذا أردنا تقريب الصوره نتخيل أن يجلس على الطاوله (بيل جيتس) مخترع برنامج وندوز مع مندوب الهيئة الذي يمارس فقط الحديث عن تاريخ (معاوية ويزيد) وبعيداً عن احترام الاختصاص والمهنية؟

أيهـا المستثمـر تفضـل لتبنـي، ولكـن أيـن الأرض؟
هنا يتسمر المستثمر أمام صحراء جرداء بلا شوارع ولا تمديدات مائية أو كهربائية أو مجاري أو ما يسمى بالبينة التحتية للقرى والمدن.
لو زرنا أي قطر في العالم لديه النيه الصحيحه في حل مشكلة الإسكان لوجدنا أولاً كل مستلزمات الوصول من شوارع ومتطلبات السكن للمنازل جاهزه وتم تنفيذها لتسهيل إنجاز المشاريع السكنية، ولكن في العراق لا يوجد أي بنية تحتية جاهزة وذلك يعني بالضبط ليس هناك رغبة في تنفيذ أي مشاريع إسكانية، إن الاستثمار لا يتم بكتابة سطر أو قانون، بل تحضير مستلزمات المنزل والمستثمر على الأرض، فالبيت لا يبنى بخطاب منمق، بل بالسمنت والحديد والكهرباء والماء والشارع و النية الصادقة في التنفيذ وكثيرا ما نجد في دراساتنا للعقود المبرمة أن المستثمر عليه توفير الخدمات والكهرباء والشوارع والمدارس ومراكز الشرطة والمستشفيات كجزء من المشروع أي أن المطلوب منه على أرض الواقع القيام بدور الدولة. إذا ما هي وظيفة الدولة هنا؟ هل تريد التهرب من أي مسؤولية في حال تأخر المشروع؟؟

وكيـف تكسـر أرجـل المستثمـر؟
لأن المطبات في القانون لا تحصى سيجد المستثمر أن القانون صمم لتكسير أرجله ويديه وللتوضيح نقول:

1- الإيجارات غير واضحه معناها ومبالغها، ولا ندري لماذا تريد الحكومة إيجاراً على أرض بأرقام ثابتة واضحة، هل هي بحاجة للمال أم للمسكن؟
٢- لماذا تطلب من المستثمر بعد ذلك نسبة معينة من المباني والبيوت مجاناً، أليس من الأفضل أن تشتريها وتشجع المستثمرين؟ هل الحكومة فقيرة؟ كلا إنها غنية مع العلم أن الحكومة قد ألغت هذه النسب مؤخرا ضمن تعديلا آخر سعيا منها في تخفيف الأعباء وتجميل ما لا يمكن تجميله.
٣- ما هو حجم الهدايا والحصص والرشاوي التي توزع على موظفي هيئات الاستثمار ومجالس المحافظات وكيف يقومون باستلامها دون اشعارهم بأنها رشوة؟ هل تأخير المعدات التي يحتاجها المشروع منهم ومن أقاربهم سبيلا لهذا؟ وهل الدعوات والزيارات المتبادلة داخل وخارج البلد ومصاريف الفنادق جزء من هذه الكلف؟
٤- العطل الرسمية الطائفية لا تعرف أيامها وربما أصبحت ثلث السنة، ولكن المستثمر عليه تحملها بمشاكلها والتأخيرات التي تتسبب بها وكلفها الخيالية.
٥- أسعار المواد الأولية المتقلبة عموديا لا يعلم المستثمر مداها بسبب عدم الاستقرار الأمني أو عدم توفير المواد في الأسواق المحلية وعلى المستثمر تحمل الخسائر وعليه دفع الكلفة دون تعويض.
٦- يحق للحكومة إصدار قرار يجبر المستثمر على اتباع نظام لبيع استثماراته وفقا لتعليمات تصدر لهذا الغرض من هيئة الاستثمار دون ذكر التفاصيل وهذه الفقره تقنع أي مستثمر بعدم الدخول إلى العراق طيلة حياته، إلا إذا كان هناك اتفاق ما مع جهة ما بعدم شموله بهذه الفقره وللمستثمر أن يكتشف هذه الجهة لأن الجميع يدعي بأنه متنفس ويطلبون الأموال والهدايا وضمان الحصص قبل أي تحرك.

مغنيـة الحـي لا تطـرب ... لمـاذا؟
هذا المثل يتطابق تماما ًمع شروط وقرارات هيئات الاستثمار في المحافظات بعد أن أصبح قرار منح الإجازات بيدها، وقناعة الهيئة تقول:-
أن المقاول العراقي غير كفوء مالياً ولا علمياً ولا هندسياً، والأفضل أن نعتمد على الأجنبي ذو الخبره عالمياً والمدعوم من بنوكه ودوله، والعراقي ليس لديه مشاريع استثمارية في الخارج ليتعلم ويكون ذو مراجع.
والمقاول الأجنبي يمكنه بسهولة دعوة أعضاء الهيئة للسفر إلى الخارج على حسابه لأنه مستعد لدفع كلفة السفر والفنادق والمطاعم وحفلات التوقيع وغيرها من ضروريات العمل المشترك لتنفيذ العقود والاجتماعات الدورية في الخارج بين مدة وأخرى لدراسة المخططات وزيارة المشاريع المشابهة وغير المشابهة! وفوق ذلك تقديم الهدايا الحلال بأنواعها.
أما مغني الحي الذي لا يطرب أيضاً، فهو المستثمر العراقي الذي يريد البناء وفقاً لإمكانياته المتواضعه، فيطلب أرضاً وفق القانون، ولكنه يعجز أيضاً مع أول خطوه، لأن الهيئة تزوده بأراضي زراعية لا يمكن فرزها أي تقسيمها إلى قطع سكنية مما يوضح سبب تقسيم عقود الشراء في معظم المشاريع إلى جزئين: جزء يتضمن البناء وجزء يتضمن الأرض، وإذا تجرأ على شراء أراضي داخل المدن والقرى، سيجد أسعار الأراضي أغلى من لندن وباريس، ولا يعلم سبب السعر الفاحش إلا الله عزوجل، وإذا تجاوز حدوده واستفسر عن دائرة للتخطيط أو المعلومات لتساعده على الاستثمار، وجد نفسه في الشارع ضائعاً دون أجوبة واضحة.

وداعـاً للمستثمـر؟
أذا جاء المستثمر الأجنبي وارتكب حماقة البدء بالاستثمار في العراق، ثم هرب فلا نلومه أبداً.
إذا ذهب إلى المحافظات عليه أن يرضي الهيئات والقوى الإيرانية أولاً، وإذا بدأ العمل عليه أن يرضي العشائر والمسلحين والعمال الذين يعملون فقط حين يرغبون في العمل، وعليه أن يستخدم ما لا يقل عن خمسين بالمائه من المواد الأولية إيرانية المنشأ، كما على المستثمر أن يعلم قبل كل شيء أن الأفضلية للمشاريع السكنية هي للشركات الإيرانية، وأن الحكومة الإيرانية اتفقت مع حكومة المنطقة الخضراء بأن يكون مجموع الاستثمارات الإيرانية في العراق لسنة 2011 هو20 مليار دولار.
وإذا ذهب المستثمر إلى المحافظات الشمالية، قالوا له أن قوانين بغداد لا وجود لها في منطقة الأكراد لأنه لديها قوانينها الخاصة وعلمها الخاص.
وإذا أراد أن يتبع خطى الأتراك في محافظات الشمال لوجد ذلك مستحيلاً، لأن الأتراك يشترون ويهربون النفط ومنتجاته بربع السعر العالمي مقابل قيامهم بإنشاء المباني، وليست هناك علاقة استثمارية بين سرقة النفط وقوانيه الاستثمارية في المشاريع السكنية أو الصناعية أو الزراعية إلا أن أرباح التهريب تساعد في احتكار السوق والخيار الآخر هو الدخول في شركات تجارية مع عصابات نجرخان برزاني أو غيرهم من البرزانيين والمستفيدين من البشمركة، ويبقى المستثمر العراقي المستقل متفرجاً فقط، لذلك يمكن القول لمن يطبل للإستثمار في العراق، ويعقد مؤتمرات الإعمار في العواصم، وداعاً أيها المستثمر!!

وتعطلـت لغـة الاستثمـار .. لمـاذا؟
ذهب البعض ليدرس ويستثمر فاستقبلتهم أصوات الإنفجارات، والمفخخات ونسف المباني الحكومية والهجوم على مباني المحافظات من قبل عصابات تنظمها الحكومة، وخطف من لديه مالا أو خطف أفراد من عائلته، وتحت سياط الحر والغبار صيفاً وعواصف البرد شتاءً وفنادق بلا كهرباء أو ماء، والظلام ليلا والاصطفاف مع مئات الحواجز للتفتيش، وإذا كان مستثمرا أجنبيا فالتفتيش مضاعفا.
وجد ذلك البعض أن مراجعة الدوائر الرسمية وغير الرسمية لا نتيجة منها إلا بالذهاب مع أفراد وجماعات اشترت تلك الدوائر وميزانياتها المالية مقدما وفقا لاتفاقات طائفية أو سياسية، لا علاقة لها بالمستثمرين.
هكذا نجد الأمن قد هرب، و الاستقرار وهم وخيال، والأرباح المتوقعه للمستثمرين في علم الغيب وأساطير المنجمين وحظوظ اللذين يبحثون عن فرص وشعب لا يدري ما يحاك ضده!! ورحم الله امرء عرف قدر نفسه.


د. هارون رشيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق