ان الثروة الحقيقية لبلد ما هي ابناء البلد نفسه ولذا تعد الشعوب المتقدمة كل ما في وسعها من خطط وبرامج في سبيل بناء الانسان لتضمن بناء المستقبل .اما في عراقنا الحبيب والى هذه الساعة لا نعرف اين هي مكانة الفرد العراقي من البرامج السياسية المعدة من قبل الاحزاب والكتل السياسية المختلفة وكيف سيعاد تأهيله . سمعنا السوفات الرنانة التي ستعيد بناء العراق! سوف نبني! وسوف نعمر! وسوف نقوم !وسوف ننجز ! وكل هذه السوفات تصب في بناء الاشياء وبعيدة كل البعد عن الانسان . فبناء الفرد العراقي هو اخر ما يفكر فيه السياسي او البرلماني . ولذا لا يوجد تصورا او دراسة او حتى اهتماما ملموسا من قبل الساسه حول البناء النفسي للفرد العراقي وكيفية اعادة تأهيل المنظومة القيمية له . وكيف ستصقل نفوس الاجيال القادمه فالاحداث المتواترة من السرقات والكذب والغش والرشوة وعدم الشعور بالمسؤولية والمتجسدة في سلوكيات من هم على رأس الدولة والبرلمان والوزراء ورجال الدين ستقلب المنظومة القيمية للفرد العراقي رأسا على عقب !او بالاحرى انقلبت فعلا . والبداية كانت منذ عام 1979 ومانراه اليوم هو ثمرة هذا الانقلاب القيمي و سلوك وتصرفات الافراد في المستقبل ستكون اغرب مما نتصور . يؤكد علماء النفس على ان مجموعة القيم التي يؤمن بها الفرد او يتربى عليها او يعتادها هي التي تقود سلوكه و توجهاته ورغباته واهتماماته . والقيم هذه هي نظام متكامل من الاحكام والقواعد الاخلاقية بما فيها العقيده يخلقها المجتمع ويغرسها في اذهان افراده . وتحتل هذه القيم المنظومة الفكرية للفرد ابتداءا بالقيم الدينية ونتهاءا بالمأكل والملبس. وتلعب التربية والتعليم دورا اساسيا في غرس وتنمية هذه القيم من الاسره الى المدرسه فالمجتمع . وللاعلام الدور المتميز في تجسيد وترسيخ اغلبها في النفوس .
فالقيم اذن هي كافة الاراء والافكار والعقائد المكتسبة حول كل مفردات الحياة وما يهتم به الفرد. وبما انها مكتسبة يعني ان امكانية تطويرها او تغيرها واردا جدا وتعتمد على التجربة الشخصية التي يمر بها الفرد او يعيشها . فالطفل الذي يسمع والده يكذب سيصبح الكذب مستقبلا في منظومته الاخلاقية القيمية مستساغا والشخص الذي ينظر الى القتل على انه قيمه رد اعتبار سيصبح القتل عنده حالة مستساغه ايضا والبنت التي تسمع يقال عن المرأة حرمة تكرم عن طاريها ونجاسة عند لمسها ستحتقر نفسها وكل نساء العالم معا والفرد الذي يعرف بأن الوزير سارقا والاستاذ مرتشيا وخيانه الوطن شجاعة حينها ستكون منظومته القيمية هي الكذب والغش والخيانة وهنا الطامة الكبرى فأجيال العراق اعتبارا من مواليد 1975 منظومتهم القيمية لا تختلف كثيرا عما ذكرناه فالنظام المقبور قتل كل القيم النبيلة عند الفرد العراقي وانتهك كل المقدسات واصبحنا نرى الغدر والغش والخيانة للاسرة والدين نوعا من النضال البعثي والسرقة والانانية والقتل نوعا من الشجاعة والتجسس على العائلة والاصدقاء وقتل الرفيق لرفاقة وفاءا للبعث وهذا ما شاهدناه بعد سقوط الصنم كيف تصرف الشباب تجاه سرقة المؤسسات وتصفية الحسابات والقتل المتعمد هذا ناهيك عن الحرمان والفقر والتفرقة وهدر سنوات العمر في حروب ليست لنا فيها ناقة ولا جمل دفعت الفرد يثور على واقعه المرير بكل ما اتى به من قوة وكأنه يقول اذا مت ضمأنا فلا نزل القطر !. اما من أكمل على المشهد القيمي العراقي ودق اخر مسمار في نعش القيم الاخلاقية الراقية الان هو سقوط المثل الاعلى عند الناس والمتمثل في رجل الدين والسياسي والبرلماني والذين طالما اعتبرناهم فوق مستوى الشبهاة وقيمهم اصيلة لا شائبه ولا غبار عليها نراهم اليوم سراقا ومنافقين وانانيين ولا يهمهم الا مصالحهم الشخصية والكسب الغير شرعي وهنا يكمن الداء الذي سيجعل من العراقيين لاجيال الله اعلم كم ستطول مرضى تقودهم وتوجه تصرفاتهم قناعات و قيم منحرفة اذ لم يتداركهم اصحاب الاختصاص والمسؤولين . ويجب اعادة بناء المنظومة القيمية للفرد العراقي قبل او مع اعادة اعمار البلاد لان اعادة بناء الانسان اصعب بكثير من اعادة بناء الاشياء .فمثلا كم وزير سرق وكم مسؤول زور وكم برلماني كذب وكم من الوعد ذهبت في مهب الريح لاغلب الساسة قبل الانتخابات وبعدها وكم وكم وبدون رادعا او محاسبة .الا تجعل هذه السلوكيات كل من يأتي بعدهم في المستقبل سيكون على نفس المنوال والتصرفات او يمكن حتى اسوء مما عليه الان لان التعود على الانحراف مع مرور الوقت يصبح قناعة او حالة مستساغة.هذا ناهيك عن المفردات البذيئه والبائسة والشتائم المتداوله الان بين البرلمانيين والسياسيين واخذت تنتشر بين العامة بسرعة البرق وبمساعدة تفشي الامية وبأسم الديمقراطية سنعطي للاجيال القادمة تصورا بأن الديمقراطية هي نوعا من الشتائم والسرقات والتعدي على الاخرين والانتقام بالتسقيط وبدون تأنيبا للضمير !!
هناك مثل اسباني يقول من استعد كسب نصف المعركه ! ومعركتنا الان هي بناء الفرد العراقي او اعادة تأهيله باعادة قيمنا الجميله العريقة للحياة مرة اخرى والا سنكون فعلا امة ستضحك من جهلها الامم !
اول ضحكنا المبكي على ما فعلته زينة بأكبر مؤسسات الدولة في بغداد الا وهي امانة بغداد ! اذن
من هي هذه الزينة ؟ما اسمها الحقيقي ؟ ما عمرها ؟ ماهو لقبها ؟ من هو ورائها ؟!
موظفة في امانة بغداد ! ياسلام !! موظفة وسرقت17 مليون دولارا اين هي الامانة منها ؟ وكيف سلمت كل هذه الاموال؟ وما هذه الثقة العمياء بها؟ ومن هو مسؤولها ؟وما هي الاجراءات المتخذه بحقها؟ وعلى حد علمي لا هي برلمانية ولا تحمل الجواز الدبلماسي ولا تتمتع بالحصانة التي انعم الله بها على البرلمانيين من غير حساب !اذن من اين لها كل هذه الاعتبارات يا ترى ! و اين هي من عضوات المجالس البلدية اللاتي يطالبنه بمحرم يرافقهن ! فالمنظومة القيمية اصبحت فعلا فري سايز لا تعرف حدودا معينة ولا محددة وهذا نتيجة ما نراه لسلوكيات من كنا نعتبرهم مثلنا الاعلى !
تطالعنا الاخبار يوميا وبدون انقطاعا سرقة مصرف وسرقة مطار وسرقة ابار نفط و وقتل فلان واغتيال علان ونهب كذ ا وكذا و تجسيد الانانية القاتلة بتحقيق مكاسب و رواتب بالملايين لا تعد ولا تحصى لمن لا يستحقون هذه الرواتب اصلا ! واغلب الشباب عاطل عن العمل والقائمة تطول و كل هذا حدث على يد من كنا نعتبرهم فوق مستوى الشبهات !
خذ مثلا نائبا برلمانيا ودكتورا ويتمتع بالحصانة التي لم ولن يحلم بها في عهد الطاغية ويستلم ملايين الدولارات على اساس يخدم العراق والعراقيين في بناء الديمقراطية يطل علينا وبدون احتراما للرأي العام العراقي ومن خلال اغلب وسائل الاعلام يمجد النظام المقبور ويشيد بأعماله الاجرامية متناسي هذا الظافر ماذا عمل الحكم الصدامي بالعراقيين وكيف كان يمثل بهم وبدون رحمة فقطع الايدى والالسن وقلع الاعين و الاسنان والاظافر و الاذن واغتصاب الانثى والذكر على حد سواء و تحقير الكبير و اذلال الصغير ودفن الاحياء لمجرد الشبهات . فكل هذا نراه فى المنظومة القيمية والاخلاقية لهذا الظافر مسالة طبيعية لانه اعتاد وتربى عليها وأمن بها فهو أذن يحتاج الى تأهيل واعادة بناء لانه مريضا نفسيا شئنا ام ابينا !
وعلاجه يحتاج الى كسر قالبه الفكري لانه رهينة هذا القالب الفكري المنحرف !فعالم النفس الامريكي الشهير John Grinder أشتهر بكسر القوالب الفكرية .يذكر انه زار مرة مصحا نفسيا بعد ان سمع عن وجود مريضا فيه يصر على انه المسيح, وعلى الناس عبادته واستمر طويلا رهين غرفته وافكاره هذه . فدخل العالم النفسي عليه وساله من انت ؟. فرد المريض انا المسيح وعليك ان تعبدني !.فنظر اليه الطبيب وهز رأسه ثم خرج . بعد 10 دقائق عاد الطبيب وهو يحمل في يده اخشابا ومطرقة ومترا للقياس ومجموعة من المسامير وطلب من المريض ان يرفع يديه بمستوي كتفيه ليأخذ القياس , فسألة المريض ماذا تفعل ؟ فلم يرد عليه , وانهمك يعمل وبعد ان اخذ القياسات شرع الطبيب يعمل صليبا وبدأ يدق المسامير وهنا سأله المريض مرة اخرى ماذا تفعل؟ حينها اجابه الطبيب . انا اعمل صليبا لك ! الست انت من تقول انا المسيح فلابد اذن ان تصلب كالمسيح لكي تعبد ! وهنا رد المريض بقوة اي مسيح هذا ؟ انا فلان الفلاني نعم انا فلان الفلاني !
بيت القصيد يحتاج الظافر هذا الى علاج صدامي كي يفيق من افكاره هذه والطرق الصدامية كثيرة ومتنوعة ابتداءا بالقطع وانتهائا بالقلع !
فهو وغيره من اعضاء البرلمان الذين يدعون المرض والجنون في سبيل الحصول على اللجوء والمساعدات المالية من الدول العربية و الاوربية . اي كي يحصلون على ما يبتغون حللوا الكذب والدجل والنفاق وهذا ما تطالعنا به الصحف والقنوات الاوربية بالصوت والصورة جعلت من اعضاء البرلمان العراقي اضحوكة للجميع وعلى كل المستويات وبأمتياز ! أما النصب الحقيقي والعصري على حد سواء هو التلاعب بالمسميات للكتل والاحزاب العراقية التى بقدرة قادر تتحول وتتلون مع الاحداث من صدر الى حر و من بدر الى وطن ومن دعوة الى ائتلاف ومن مستقل الى اكثر استقلالية او بالاحرى اكثر انانية ومن بعثي الى عراقي ومن التفكك الى التوافق ومن العلمانية الى الاسلاميه ومن القائمة العالمية الى العراقية ومن التخريب الى الاصلاح ومن التشتت الى الوفاق وهلم جرى. وتعال يا عراقي احزر وافرز من هو الحر فعلا ومن هو المستقل اصلا ومن هو الوطني حقا ! ومن ستنتخب !
فكيف لنا اذن ان نكسر هذه القوالب الفكرية المنحرفة ونخلص العراق من المرضى الذين يجثمون على صدور العراقيين رجال كانوا ام نساء !
اذن هل للعراق ان يتعافى من كل هذه الازمات والاختلال الاخلاقي بدون الانتباه الى المنظومة القيمية واعادة بنائها !طبعا لا يمكن اعادة بنائها دون ان يتم تصحيح الاخطاء ومعاقبة المسيئ وباسرع ما يمكن .
فثقافة المجتمع وتطوره تكمن بثقافة ابناءه ويجب ان نؤمن بقيمة بناء الفرد وعلى رأي الرحالة الكندي Bernard weber لا تستطيع ان تحمي شيئا مالم تؤمن اولا بقيمة ذلك الشيئ وتقدر تلك القيمة !
فهل للحكومة او البرلمان او رجال الدين أو الساسة ان يؤمنوا بأن الفرد العراقي اغلى من الكرسي والمنصب والراتب ! هذا ما اشك فيه !!!
وهناك مثل صيني يقول حب المال يحول الحكماء الى بلهاء !فما بالك اذا كانوا بلهاء اصلا ! الساتر ربك وحده!
يذكر ان
شكسبير جلس ذات مرة في احد العروض المسرحية في اخر الصف فلما رأه اصحابة تعجبوا وسالوه لماذا جلست في اخر الصف وانت شكسبير ؟فأجاب شكسبير : لا فرق عندي اينما جلست لان الكرسي الذي اجلس عليه لا يعطيني قيمتي بل انا الذي اعطي الكرسي قيمته !
فهل ياترى يعرف البرلمانيون ان الشخص بقيميه وسلوكياته الراقية هو الذي يعطي الكرسي البرلماني قيمته وليس العكس!
أ.د.أقبال المؤمن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق