الأحد، 9 أغسطس 2009

اعلام ولكن!!

الاعلام هوالتعبير الموضوعي لعقلية الجماهير وروحها وميولها واتجاهاتها (اوتوجروت) فالحاجة الماسة اذن الى القول والتعبير عن الرأي دعا الى ضرورة وجود الاعلام كمصطلح( هيجل) . فطرح الاراء ونشر الاخبار وبث الحوارات هي من باب الاعلام او الاخبار بشئ ما ليس الا . اما ادراك الخبر كمعنى ذي دلاله معينة من خلال و سائل صياغاته الفنية المختلفة ونشره او بثه بواسطة وسائل الاتصال المتعددة يصبح اتصال .فدعونا اذن نتعرف اكثر على هاذين المصطلحين هما الاعلام والاتصال . وكيف اصبحا من ضروريات الحياة التى لا يمكن الاستغناء عنهما بأي شكل من الاشكال ؟وكيف لنا ان نوظفهما للصالح العام ؟ وماهي المنافع والاضرار المترتبة على ذالك ؟فالاعلام يعني عالم معالجة الاخبار موضوعيا اي بعيدا عن الكذب والنفاق والتضخيم والتزييف والدس والنميمة و الخبث والانانية والنظرة الضيقة للامور كالطائفية والتعصب والمهاترات الشخصية وبوسائل فنية اعلامية كالمقال والريبورتاج واللقاء الصحفي والفني والادبي والعلمي والحديث وكل من هذه المسميات الصياغية الفنية لها مسميات فرعية اخرى كالمقال السياسي والاجتماعي والافتتاحي وغيرها وكذا بقية الفنون الصحفية والاذاعية والصورية كالتلفاز والسينما والمسرح و كلها تشترك بشكل او بأخر بنقل الخبر لكن بصياغات واساليب مختلفة .و الاعلام كمفهوم لنقل الانتاج الفكري تطور وازدهر كنتيجة حتمية لتطور الصناعات المتقدمة والالكترونية والفضائية والتى تمخض عنها بنوك المعلومات والشبكة العنكبوتية (الانترنيت ) وهذه بدورها حولت النشاط الفكري البشري الى مادة متداولة بيد الجميع ووظفت الفنون والاداب والاخبار والوقائع الاخرى الى صور وحقائق زمكانية واضحة متقاربة فتحولت الخرافات والاساطير والاوهام والشائعات الى علوم وحقائق تاريخية واعتبارية واصبح لمفهوم الاعلام شمولية لا يوزجها تعريفا واحدا متفقا عليه لان نقل الخبر (اعلام )وفهم و ادراك الخبر( اتصال) ولهذا اصبح الاعلام والاتصال بداية ونهاية لنقل الحقائق او فعل ورد فعل اي اعلام وفهم للاخبار او الحقائق وبدون الاعلام والاتصال تكون العملية ناقصة .ووسائل الاعلام ووسائل الاتصال هي الواسطة التي يصلنا من خلالها الخبر ولكي تنجز العملية ( عملية الاتصال الاعلامي) والدورة الاعلامية الاتصالية مهمتها هذه لابد لها ان تمر بعدة مراحل لتكتمل بنجاح منها :
المرحلة الاولى: مرحلة التأثر بالحقيقة او الفعل من قبل المرسل والتى تكون منتجة للخبر او كل ما يودي الى صناعة الخبر وكل ما يتعلق بنتاجات الفكر الانساني من حقائق واخبار ومعلومات وفي كل المجالات العلمية والادبية والصحية والدينية وما الى ذلك .
المرحلة الثانية : فنون الصياغة او اساليب صياغة الاخبار او الفنون الاعلامية وبهذه المرحلة يتم انتقاء الاخبار او الحقائق وحسب الحاجة والانية والاهمية من سيل المعلومات الهائل ومن ثم صياغتها بوسيلة اوقوالب فنية اعلامية متعارف عليها او مبتكرة لا ضير بذلك لان الابداع والفن لا ينحصر بصيغة معينة اذن الصياغة هي تشكيل المادة الاعلامية الخام بصيغة فنية متعارف عليها او مبتكرة كالمقال والروبرتاج وغيرها من الصياغات الفنية .
المرحلة الثالثة : مرحلة الانطلاق او الانتشار بأحدى وسائل الاتصال وهي مرحلة ارسال الخبر بمعنى بثه او نشره ضمن وسيلة اتصالية معينة من وسائل الاتصال المتنوعة و المناسبة له وبهذا نكون قد ارسلنا هذه المعلومات المصاغة فنيا او اعلاميا الى المتلقين بمختلف اتجاهاتهم و انتمأتهم و ثقافاتهم و اعمارهم و اماكنهم .
المرحلة الرابعة : مرحلة الفهم والادراك والتأثير بالخبر او رد الفعل من قبل المتلقي وبها تتم عمليه الاتصال ونقل المعلومة فعلا اي تأثير المادة الاعلامية في المتلقي سلبا ام ايجابا وتكون على شكل ردود افعال مختلفة بين المرسل والمتلقي وبين المتلقين انفسهم فيصبحوا هنا مرسلين (وتكون العملية عكسية وتبدء من المرحلة الاولى ) مرسل ومتلقي ثم ان المتلقي يصبح مرسل وهكذا فينتج الحوار المتبادل باكثر من وسيلة اتصالية مشتركة وبهذه الطريقة تتم عملية الاتصال الاعلامي .وهذا ماجسده الاعلام خلال الانترنيت والمحطات الفضائية وغيرها انظر الى ان المرحلة الاولى في عملية الاتصال الاعلامي بدأت بالتأثر وانتهت بالتأثر لتتم دائرة الاتصال الاعلامي وبما ان الاعلام صناعة وانتاج ومنتجين وتسويق وعرض وطلب اذن اصبح بضاعة اقتصادية و استهلاكية اعلامية كباقي البضائع الاستهلاكيه لخدمة البشر فالاعلام دخل عالم التسويق من اوسع ابوابه واصبح تسويقه محليا وعالميا وبمعنى ادق كافة المعلومات الاخبارية التى تخص جماعة محلية او شعب معين تسوق محليا مثلا اخبار العراق المحلية البحتة تسوق في العراق وللشعب العراقي بالذات اما اذا كانت المعلومات تخص بني البشر ككل تسوق عالميا كاخبار الطب والعلم والفضاء والاجتماع والتغذية وما الى ذلك واحيانا تتحول المعلومات المحلية الى عالمية لضرورتها او انيتها وهنا نرجع الى دائرة الاتصال التى سبق وان طرحناها وبهذا الشكل يصبح العالم قرية معلوماتية تدار بها المعلومات من الكل الى الجزء ومن الجزء الى الكل ويتقارب بني البشر فيما بينهم وبهذا التلاحم والتلاقح الاعلامي مضاف اليه التشويق والمؤثرات الفنية الراقيه اصبح الاعلام كيان له لون وذوق وردود افعال لا يمكن الاستغناء عنه بأي شكل من الاشكال لانه غذاء الروح الحقيقي واصبح يلعب دورا مهما في تعميق وتهميش وتغير الكثير من المعتقدات والسلوكيات والافكار ومعينا في التربية والتغذية والصحة وغيرها وظهرت له جوانب ايجابية وسلبية في ان واحد وظهرت النظريات والشروح والتوضيحات له فقبل الثورة الاعلامية كانت للاعلام فلسفة ونظريات استنبطت من الاعلام المحلي الضيق وبمنظور حزبي اوسلطوي او فئوي واغلبها وضعت الاعلام في اطار له حدود ووظائف و واجبات تخدم فئه معينة كنظرية السلطة والحرية والمسؤولية الاجتماعية والاشتراكية والرأسمالية والدينية و الديمقراطية وغيرها وهذه النظريات استمدت فلسفتها من الانظمة الحاكمة او الاحزاب المسيطرة او الفاعلة لخدمت مصالحهم بشكل اوبأخر انذاك و لكن نرى اليوم التطور الحاصل في مجال الاعلام والثورة الاعلامية الهائلة حطمت كل تلك النظريات وعرت الانظمة والسلطات التى اعتبرت نفسها ولقرون هي الافضل والاحسن لان الاعلام اليوم حر لا يخضع لنظام او سلطة او قوة معينة ولو نسبيا الا ان السيل الهائل من المعلومات والوسائل الاتصالية المتاحة كفيلة بتحطيم اي سلطة تقف امامه وتعري اي قوة تعتبر نفسها هي الافضل او هي صاحبة السيادة لان الافضل هو الاصلح بما يخدم الصالح العام .واصبح للاعلام واجبات ووظائف اخرى ووجدت له علوم ومراكز ابحات وجامعات لم تكون معروفة بالامس وتغيرت الكثير من الثوابت التى تخدم النخبة على حساب العامة فاذا كانت الرسمالية تدافع عن مصالحها بالنظرية الاعلامية الرسمالية واذا كانت الاشتراكية والدينية والمسؤولية الاجتماعية كذلك اصبحت اليوم كل هذه النظريات خاوية المعني وذلك لان اولا: ترسيخ مفهوم الحرية في الطرح والاختيار فسح المجال للمتلقي ان يتطلع لعيوب ومساوء الكثير من النظريات التى فرضت عليه لعدة قرون ثانيا: انتشار الوعي وكثرة الاراء والطروحات و الدراسات التى عمقت مفهوم الاعلام بوجهات نظر مختلفة واحيانا متعارضة مع ما طرح بالامس حول الاعلام و التي جعلت الفرد يميز بين الصالح والطالح واتاحت له فرصة المقارنة ثالثا :التنوع والاختلاف جعل عملية الفرز اسهل والاختيار اصوب رابعا :سرعة الانتشار جعلت ردود الافعال اسرع والتأثير والتأثر اقوى وهذا ما تخافه السلطات والحكومات خامسا: بعد ان كان الرأي العام محدودا اصبح الرأي العام عالمي اي اوسع واقوى وهذا ما رأيناه في غزو العراق واحداث ايران الاخيرة سادسا : سهولة وسرعة وخفة ورخص وتنوع وسائل الاتصال اصبحت في متناول الجميع سابعا : دخلت في مجال الاعلام علوم اخرى نفسية واجتماعية وطبية مما فسحت المجال لفهم كل من المرسل والمستقبل والرسالة و وكيف لهم ان يؤثروا ويتأثروا في المجتمع واخيرا ممارسة الرقابة والنقد من قبل السلطه الرابعة ( اي الاعلام) فسحت المجال امام الاصلح وليس الاقوى واسقطت الاقنع عن الكثير وذلك عن طريق النقد البناء هذا كله وغيره اصبح للاعلام فلسفة ومفهوم جديد ويمكن ان اطلق عليها فلسفة المعقول واللامعقول فلسفة المنطق واللامنطق فلسفة الثنائيات المتناقضة او المتناقضات متبادلة المنفعة او كعملية البناء والهدم في جسم الانسان فبهذه التناقضات الفلسفية للاعلام تدوم عمليه الاعلام ويكون الاتصال مؤثر فعلا وناجح ويصبح الاعلام كما كل شي في الكون فيه الجيد والردي الصالح والطالح الحب والكراهيه لاننا لولا الجيد لما عرفنا الردئ ولولا الطالح لما عرفنا الصالح ولولا الحب لما عرفنا الكراهية ولكن يبقى ميزان العدالة هو الفيصل للاستمرار والتألق وبهذا نكون قد اسسنا الى ان الاعلام سلاح ذو حدين كما هي بقيه الاشياء الاستهلاكية كالسيارة او الطائرة او القلم او ما شابه تتعلق بمن يقود او يستعمل هذه الاشياء فاذا كان الاعلامي بارعا حكيما مؤثرا كان الانتاج بالمثل اي نرى الجانب الايجابي في العملية الاعلامية واذا كان الاعلامي طائفيا جشعا انانيا كاذبا نرى الجانب السلبى منها وبما ان ثورة وحرية الاعلام لا تقتصر على الاشخاص الحكماء والمتميزين واصحاب الضمائر ولا تقتصر على الجانب الايجابي للعملية الاتصالية نرى وبوضوح الجانب السلبى وهذا ماتمارسه اغلب الوسائل الاتصاليه لقهر من تريد قهره وبشتى الطرق ولكن لابد من معرفة ان ترسيخ المعلومات لدى المتلقي تحتاج الى سبل معينه منها اولا : التكرار اي تكرار الخبر او المعلومه باكثر من وسيلة وصياغة ثانيا: بث الرساله عن طريق مصادر موثوقة ثالثا :التشجيع عن طريق الحوافز لمن يستقبل الخبر رابعا: قرب الخبر او المعلومة من المتلقي اي كلما كانت الرسالة تهم المتلقي كلما كانت اكثر تاثيرا فيه خامسا: سهولة فهم الرسالة ووضوحها لدى المتلقي تؤدي الى سرعة الادراك لها واخيرا معرفة والمام المرسل بعادات وتقاليد واهتمامات وحاجات المتلقين لرسالتة كلها تودي الى نجاح عملية الاتصال الاعلامي.
السؤال هنا هل اعلامنا يقوم بعملية الاتصال والتاثير في المتلقي ؟وهل له دور ملموس في التغير نحو الاحسن ؟
الحقيقة لكي يكون اعلامنا فاعلا ومؤثرا لابد ان يكون قريبا من اهتمامات الشارع اولا وثانيا : لابد ان تكون له فلسفة واضحة واهداف معينة وواجبات اساسية وثالثا : لابد ان تكون دراسات اعلامية تكون الفيصل في الطروحات وفهم الشعب العراقي والابتعاد عن النظريات البعيدة كل البعد عنه ورابعا: يجب الاعتماد على علم النفس الاعلامي والاجتماعي لفهم مردودات الاعلام على الفرد العراقي في المستقبل فالكثير من البرامج التي تبث وبحسن نيه لمساعدة المحتاجين والفقراء ستكون في المستقبل من اقوى الاسباب التى تؤدي الى العنف والانحراف لدى هولاء الاشخاص هذا بالاضافة الى النقد الهدام والسب والشتم والخطاب الطائفي الضيق الذي يمارسه اكثر الدخلاء على عالم الاعلام بعد تحرير الاعلام من الدكتاتورية والتى تأخذ بالذوق العام نحو الانحدار وعدم التميز بين الاعلام والالغام واخيرا لابد ان يكون للدولة اعلامنا متميزا وهادفا وصادقا كي نميزه عن الاعلام المأجور والحاقد بطرحه الحقائق دون تزيف او نقص لبناء جسور الثقة بينه وبين كافه الشعب ولكن للاسف الشديد ذهب التكريتي وجاء الموسوى والياسري والموسوي وتيتي تيتي مثل ما رحتى جيتي لازلنا نبحث عن الحقيقة من مصادر معادية او غير موثوقة ولا زال اعلامنا لا توجد له هويةمميزة ولا فلسفة واضحة ولا مؤسسة متكاملة واصبح اعلام فردي او حزبي يضع مصالحه فوق كل اعتبار مستغلا سذاجة المتلقي وحسن نيته وعدم الاستقرار الامنى واصبح يجول ويصول بعادات وتقاليد اكل الدهر عليها وشرب بدأ بأول الاشياء وانتهاءا بموعد على العشاء.

أ د اقبال المؤمن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق