الفن و الدراما و التذوق الفني وغيرها من المفاهيم التي تصاحب الاعمال التعبيرية الابداعية الثقافية للانسان اصبحت في الوقت الحالي مفردات يرددها الجميع بأدراك او لمجرد تداولها كالفاظ للدلالة على المدلول . الا انني سأتناولها موضحة و مستعينة بمسلسل( زمن العار) الذي عرض من خلال الفضائيات العربية ( دبي ) في شهر رمضان وهي الفترة الذهبية التي يتسابق فيها المنتجون لعرض اعمالهم الدرامية .و لما لهذه المفاهيم من اهمية في وقت بث هذا الكم الهائل من الاعمال و من على شاشات الفضائيات المنتشرة التي لا تفرق بين التمثيل والتهريج والتحريض على الارهاب وتعميق اساليب لا تمت بصلة باي حال من الاحوال الى الفن او الطرب او الاعلام وانما تصفية حسابات على حساب الذوق العام . ومن ثم للوقوف على الرسائل الاعلامية لهذه الاعمال الفنية المنبعثة من خلالها وخاصة (زمن العار). يعرف الفن بأنه فلسفة التعامل مع الواقع بمفردات فنية كالكلمة والصورة والديكور والاضاءة واللون والملابس و ما الى ذالك وبنسب يحددها فنانيين مبدعين طبقا للقواعد الفنية المعدة مسبقا في أذهانهم وتتفاوت هذه النسب من مبدع الى اخر حسب الثقافة الفنية التي يمتلكها .ويفترض ان تكون لهذه الاعمال التعبيرية وظيفة تعليمية وتربوية تساهم في تطوير المجتمع وتربية الانسان وصقل مشاعره وذوقه العام .لكونها ظاهرة ايديولوجية وتاريخية واجتماعية تحدد ملامح المجتمع من خلال واقع اجتماعي معين . ففن الدراما اذن افراز اجتماعي مؤثر يدفع المشاهد او المتلقي لايجاد توازن روحي وحوار متبادل مع هذا الاثر الدرامي. والدراما كلمة اغريقة تعني (العمل) ويعتبر ارسطو المرجع النظري والاساسي لمفهوم الدراما من خلال فكرته عن المحاكاة التي ساقها في كتابه( فن الشعر) واعتبر الدراما تحاكي الاشياء بالكلام والتمثيل وهي من اسمى الصور لانها تساعد على فهم الذات والعالم . فهي اذن تمثيل الحياة .ومع التطور الحاصل في كل الامور دخلت الدراما مرحلة التطور بشمولية الاهداف فاصبحت وسيلة اتصال بين البشر بأعتمادها على المبادئ الاولية لعلم نفس الادراك والفهم والتوصيل . وهذا مايهمنا في هذا الطرح لذا تتطلب الدراما مرسل وهو( كادر العمل) بكل جزئياتة ومتلقي( مشاهد) بكل حيثياته .لذا اعتمدت الدراما التلفزيونية على التأثير في المشاهد والتفاعل المشترك بينه وبينها .وهناك طبعا عدة عناصر يعتمد عليها نجاح العمل الدرامي منها زمن عرض العمل( توقيت العرض ) وزمن احداث العمل (مثلا اذا كانت فكرة الحدث حصلت في زمن قريب من المشاهد او من واقعه المعاش يهتم بالعمل اكثر ويتابعه بجدية )وبنفس هذا المقياس ينسحب على كل من مكان الحدث و اهمية الموضوع وتلعب واقعية العمل ولغة الحوار ووحدة البناء الدرامي والمنتاج وغيرها من الادوات والعناصر الفنية دورا مهما في تكامل العمل وتأثيرة في المشاهدين . وطبعا لكل هذه المقومات روادها ومنظريها والمهتمين بها . اما مايخص عملية التذوق لهذة الاعمال هو مايهمنا اكثر كمتفرجين .فالتذوق الفني علم له جامعاتة واصوله وسبل تعلمة . فالتذوق هو عملية الاحساس بالعمل من قبل المتلقي او المشاهد وطبعا تختلف درجة التذوق من شخص لاخر تبعا لادراك المتذوق او المشاهد للعمل الفني اياه وهذا يعود لعدة عوامل منها الثقافة والبيئة والتربية والمعتقدات ويرتبط ارتباطا وثيقا بالحكم على ماتستسيغه نفسة من صفات المحسوسات بالجمال وان كل صفة لا تستسيغها نفسه لن تدخل في دائرة التذوق. ونعني به الادراك الحسي لجمالية العمل وعرفه (هيجل) بأنه الاشعاع الروحي للفكرة من خلال الموضوعات الحسية . وقرب مفهومه لنا( ستيس) بقوله انه امتزاج مضمون عقلي مؤلف من تصورات تجريبية غير ادراكية مع مجال ادراكي بطريقة تجعل هذا المضمون العقلي وهذا المجال الادراكي لا يمكن ان يتميز احدهما عن الاخر . اذن بأمكان الفنان المبدع ان يجعل من تصوير المعنى القبيح صورة جمالية (كمشهد قتل او جريمة بشعة ) اذا صورها بصورة مستساغة . اي عندما يتقن تصوير معنى قبيح بصورة جيدة وواضحة يصبح القبح من خلال عمله الفني هذا مستساغا جماليا مع بقاء المعنى المصاحب للصورة .ويؤكد ( فولتير) على وجوب الاحساس بهذا الجمال لكي ندرك جمالية العمل الفني ونتعرف عليه . وبهذا يكون التذوق الفني هو المقدرة على الاحساس بالعمل الفني واكتشاف سمات الجمال والنقص فيه وفهم الرسائل الاعلامية المتضمنة له ومن ثم ادراك معنى العمل الفني كوحدة بناء واحدة . فالتذوق الفني اذن هو عملية فهم العمل الفني من قبل المشاهد و ادراك رسائله الاعلامية وهذا مايهمنا كأعلاميين .
وبما ان للتذوق الفني عدة جوانب وكل جانب له مفكريه ورواده ونظرياته وكل نظرية تحاول ان تنظر الى الموضوع من زاوية خاصة تتلائم مع منطقها العام اي تقدم جانبا واحدا من الصورة فجانبنا الذي سنتناولة اذن هو الرسالة الفنية وما يجب ان تطرحه من مضامين اعلامية ذات قيمة ثقافية قابلة للفهم والادراك ومؤدية للتغير . وبما ان العمل الدرامي هو اعادة خلق الواقع ولا يسلم بالواقع البحت ( فالانسان زائد الطبيعة ) ينتج عملا ابداعيا غير الواقع المعاش . وعندما يعرض العمل الفني على المشاهد تتولد لديه تساؤلات وقد تنبهه على واقع نفسي كان يلازمه ولكن لم يدركه من قبل. و قد يعيد حساباته وبناء خبراته التي سبق وان كونها . فتكون عملية التذوق الفني قد خلقت حالة ابداع داخل المتلقي او المشاهد و هنا تكمن قيمة العمل الفني من خلال ادراك المتلقي للرسائل المرسلة من قبل العمل والتأثر بها .وبهذه المقدمة نكون قد تعرفنا علي فن الدراما و كيفية تذوقها. ولذا سأناقش مسلسل( زمن العار) والوقوف على رسائله الاعلامية والثقافية للتعرف على ملامح مجتمعنا مستعينة بهذه المفاهيم وما تحمله من معاني كمعيار للحكم . (فزمن العار) عمل فني واقعي للكاتبين حسن سامي يوسف ونجيب نصر واخراج رشا شربتجي .يتناول المسلسل قصة اسرة سورية من الطبقة الوسطى ومن بين افراد هذه الاسرة بثينة( سلافة معمار) والتي تدور حولها معظم الاحداث فهي فتاة متوسطة التعليم وعانس بسبب مرض والدتها الذي تطلب منها البقاء حبيسة الدار للعناية بها فلم تكمل تعليمها ولا تحب القراءة ايضا . و ترتب على هذا البقاء القسري اذن ادارة شؤون المنزل بكل مفرداته حتى نسى الجميع او تناسوا انها انسان ولها حق العيش كما لهم .وبسبب كثرة الضغوط والحرمان وقلة المعارف والحيلة تقع بثينة في مشكلة عاطفية حيث لم تستطع مقاومة غواية زوج صديقتها الوحيدة (جميل"تيم حسن") فتجد نفسها متزوجة منه عرفيا وبدون علم الاهل وتكون نتيجة هذا الزواج الحمل سرا واثناء رحيل والدتها المفاجئ والمدبر من قبل اهمال الاب لها في لحضة الازمة (خالد تاجا) تقع هي وسرها تحت اضواء الاسرة والمجتمع لتبدء بعد ذلك عذابات جديدة في حين تبدء المزايدات بأسم الشرف من قبل افراد العائلة والمجتمع الضاربين كل القيم الجميلة عرض الحائط متناسين العار الحقيقي والاكثر خطورة على المجتمع و الذي ينخره من الداخل والمتجذر على اياديهم كالرشوة والغش والكذب والنقاق واستغلال الاخر. فلذا تتلقى بثينة قسوة مضاعفة من جانب هؤلاء البشر العار فعلا .جسد الادوار في هذا العمل الدرامي عمالقة الفن السوري وهم كل من بسام كوسا ,سلافه معمار, منى واصف, تيم حسن ,خالد تاجا ,سمر سامي ,سليم صبري, ديمه بياغه ,واخرون. فأضفوا على واقعية العمل واقعية الاداء و حرفيتة المهنة . ومن خلال هذه الدراما حاول كادر العمل( المرسل) توجية عدة رسائل في غاية الاهمية والخطورة للفت انظار الناس والمجتمع والمعنين اليها . فللوهلة الاولى يتناول العمل مفهوم العار في المجتمع الشرقي العربي المرتبط عادة بفقدان الفتاة لعذريتها بغض النظر عن الجاني الحقيقي و الظروف الاجتماعية والانسانية التي ادت بهذه الفتاة الى هذا المصير. وهذه الرسالة الاولى من العمل (في الظاهر العام) والتي يجب ان ينتبه اليها الجميع فالتباعد العائلي وعدم الانسجام فيما بينهم جعلهم الاخوة ألاعداء .ومثل هذا المشهد الواقعي نجده حاضرا في كل مجتمعاتنا العربية وبقوة. فبثية اذن لانها الاخت الكبرى والانثى اصبحت كبش الفداء الفعلي في هذا الواقع المترجم لدور المرأة الخاطئ و المتمثل بتحملها كل اعمال المنزل و خدمة الجميع وعلى حساب انسانيتها فلا يحق لها مايحق لغيرها وكأنها خلقت للخدمة و بغض النظر عن أرادتها او رغبتها وانما لانها الانثى و الاخت الكبرى والعانس والسبب الاول في عنوستها هو رفضوهم تزويجها بحجة مرض والدتها وأصبحت تلقب (عانس)حسب موروثات بالية هدفها القضاء على تطور المرأة واخذ دورها الفعال في المجتمع. وهنا حكموا عليها بالموت البطيئ وبدون رحمة .وبهذا تكون العائلة من اول الجناة على المرأة فجاء العمل ليخاطب المجتمع لتصحيح بعض الاخطاء الموروثة .وبهذه الالتفاتة نفهم كم هو مجتمعنا ظالم باعتماده على الموروثات الخاطئة عن الاخت الكبرى الغير مستقلة اقتصاديا و التي وجبت عليها الطاعة العمياء وبدون وجة حق في حين العالم المتطور لا يفرق بين الرجل والمرأة ولكل منه تقع علية جانب من بناء المجتمع والمتمثلة بالحقوق والواجبات المناطه به ولا وجود لمفردة العانس في حياة المرأه اطلاقا .اما الرسالة الثانية عن ظلم المجتمع للمرأة المتمثلة بالخصوع والاستسلام والتبعية للرجل فلا يجوز لها ابداء الرأي او حتى المناقشة .والجانب النقيض الناتج عن رد فعل على الواقع المرير هو تطرفها المتسلط وبدون وعي( كزوجة جميل) وجاء تسلطها هذا من قوتها المادية المدعومة من قبل اهلها المتجذرة اعمالهم في ابتزاز الناس لجمع الاموال فكل ما يبنى على باطل فهو باطل .والصورة الاخرى للمرأة الجشعه (الموظفة او البطالة المقنعة)والتي وجدت نفسها في مجتمع لا يهتم ببناء الانسان وانما يبني روح التفرد وغرس الانانية في النفوس فالفرد فيه لا يهمه الا نفسه فأصبحت كالذئب ان لم تاكلهم اكلوها. ولذا اصبح همها الاول والاخير جمع المال بأي شكل من الاشكال وبحجة حقها . و لتجربتها القاسية اصبحت بارعة لتحصل على ما تريد وبنفس انانية مفزعة لتلبية رغباتها بالحصول على المال عن طريق الرشوة وبدون تأنيب ضمير لانها حللت واقعها نسبة الى ما تعلمتة من المجتمع فاصبحت عندها الامور عادية جدا ومن حقها ان تتصرف بهذه الطريقة وتحررت ولو نسبيا من قيود الاهل والمجتمع . ونرى المرأة بكل الطروحات في( زمن العار) غير سوية فهي مغلوبة على امرها وتجري وراء السراب وغير منتجة وجاهلة رغم تعليمها وهنا نصل الى ان المرأة في المجتمع العربي نتيجة تربية الاسرة و المجتمع الخاطئ وبمختلف مؤسساتة العلمية والثقافية اما مظلومة مغلوبة على امرها واما قاسية متسلطة جشعة تهوى المال والمال فقط وتبحث عن الزوج وبكل الطرق او بضاعة تباع و تشترى كالسلعة لأجل المال والرجل وبهذا صور لنا المسلسل ان نصف مجتمعنا اي عالم المرأة بأكمله يحتاج الى تغير ووعي تقافي يعي دورها في البناء والتربية الصحيحة للابناء ليتم انتشالها من الحضيض والتهميش والجهل المرعب التي هي عليه . اما الرسالة الثالثة في العمل هو غياب الدولة بالكامل فالفقر والمرض والضياع والرشوة والجهل وتسلط ابناء المسؤولين وتصرفاتهم الغير مسؤولة ومستقبل ابناء الفقراء الضائع والاجواء الغير صحية و المتجسدة فى العشوائيات التى ستأكل البلد بأكمله وشعار البقاء للاقوى وصاحب المال هوصاحب الكلمة العليا وان كان جاهلا وهذه الحالة نجدها في كل البلدان العربية فالانهيار اذن ات لامحالة ان لم تنتبة الحكومات لدورها الحقيقي والفعال في بناء الانسان والمجتمعات واعادة النظر في خططها الرامية للتنمية البشريه المتمثلة في التعليم والصحة والسكن والانتاج والنهوض بألاقتصاد لضمان مستقبل الاجيال لانه مستقبل البلد . اما حال الرجل نراه في الرسالة الاعلامية الرابعة للعمل نموذجا مغلوبا على امره لا يعرف ماذا يريد وماذا يقرر ولا توجد لديه اي خطة مستقبلية واضحة لانة اسير المادة والفقر والجشع والجهل والحرمان الجنسي .فمهما كانت عنجهية وسطوتة وتمثيله دور الاب الظالم او الزوج الفاشل او الاخ المطاع و المتسلط يكون لا شئ امام سطوة المرأة العلوب. فنراه طفلا مطيعا منفذا لكل رغابتها كما لمسناها في حالة فراس والاب .اما الرجل المثقف فهو مركون على الرف كالكتاب في وقت تعتبر فية القراء ة لا نفع منها لانها لا تعود على صاحبها بالمال الكافي حتى للعيش الكفيف .فالمثقف في الوقت الحاضر لا يستطيع العيش لانه رافض الرشوة والغش والتملق. فنجده غارق في ديونه ومشاكله العائلية لعجزه على جلب المال بالطرق السليمة .وبهذا يكون المثقف ليس لة دور يذكر وان وجد فهو بالكلام فقط .وفعلا هذه هو حال ودور المثقفين في الوطن العربي فدورهم محدود لا يتعدى مجال الكلمة التي تموت بانتهاء اليوم وهكذا دواليك .اما الرسالة الاساسية والاخيرة في هذا العمل هو العجز الكامل عن حل هذه المشاكل لانها اصبحت متجذرة في المجتمع وبمساعدة الغياب الكامل للوعي الثقافي ولدور الدولة او الحكومة الغير فعال و التي تعتبر هي رأس البلاء والتخلف وادواتها هو القسر حينا واللامبالات حينا اخر. لذا نرى الدائرة تدور من جديد وبنفس القوة و المشاكل والازمات فبمرض الاب وتسلم بثينة زمام العناية به وبشؤون البيت من جديد تكمن عبقرية العمل ونجاحه في توصيل الرساله. فالعار كل العار ان نرى كل هذه الموبقات ونعتبرها شطارة وانتصار واصبحت الرشوة بدل الكرم والكذب بدل الصدق والغش بدل النقاء والحب سلعة تباع وتشترى والمرأة في دوامة والرجل مشلول بالكامل وايضا سلعة لمن يدفع اكثر وهكذا دواليك . فيا ترى هل من معجزة ننتظرها لكي تخلصنا من هذه الدائرة المغلقة ام المبادرة بالفعل ومن قبل الجميع بترتيب الامور من جديد . فالعار كل العار زيادة سلطة العار ومفرداتة الجديدة والتي اصبحت مستساغة من قبل الجميع .العار كل العار ان نرى ضياع الامة وانهيار الاخلاق وتفشي الرشوة والجشع المادي والارهاب والقتل وغياب الحقيقة وفساد كل من المرأة والرجل على حد سواء. فالمجتمع في ضياع والناس بين المرض النفسي والعضوي لكثرة الضغوطات والمشاكل وفقدان ابسط متطلبات الحياة كحرية الرأي والمسكن والامن . فهل لما طرحته المخرجة دراميا لافكار كل من الكاتبين الجليلين يستوجب منا اعادة النظر في حساباتنا لبناء وتشذيب خبراتنا التي بنيناها بمفاهيم خاطئة لنكون مبدعين ايضا بأيجاد الحلول ولو كانت افتراضية المهم ردود افعال ايجابية؟ الجواب متروك لكل من تذوق العمل و استوعب رسائلة الاعلامية !ولكن اليس الصبح بقريب ؟ وبهذا نرى ان( زمن العار) ادى وظيفته الاعلامية في زمن خلطت فيه الاوراق واصبح الفرد لا يفرق بين الصح والخطأ وشمولية العار للكثير من الافعال والعادات السيئة الدخيلة. فعبر وبصدق عن واقع مجتمع عربي مريض ومشاكل مزمنة تتطلب العلاج جذريا وبأقصى سرعة فجاءت المشاهد مستساغة جماليا الامر الذي استوعبنا رسالته الاعلامية الهادفه التي تدعو لتغير الواقع المعاش .ولكن خارج اطار المسلسل لعبت الفضائيات دورا لا يقل اهمية عن العار المتفشي في مجتمعاتنا ببث الاعلانات على حساب الذوق العام فكان الفاصل الاعلاني اطول من المشهد الدرامي لانه هو الاهم في العرض .ومهما تنوعت المسلسلات يبقى القاسم المشترك بين اغلبها هو غياب عنصر التغير والمغامرة وخاصة ما بثته قناة الشرقية فهو التهريج بمعنى الكلمة والدعوة للكراهية بين ابناء الشعب والطائفية في وقت محتاجين فية الى منتج جريئ ومغامر لا يتردد في تغير نمط وشكل ومضمون الدراما العراقية لصالح بناء المجتمع دون ان يكون مهموما بهاجس العنصرية والربح الرخيص والحسابات الاخرى الضيقة.فالمجتمع العربي بحاجة الى اعمال فنية ذات رسائل تربوية ترفع من مستواه الثقافي. وتحصد نجاحة بالتفاعل المشترك لنبدء بالتغير واصلاح ما افسدته الحكومات وبأمتياز.
أ.د. اقبال المؤمن
وبما ان للتذوق الفني عدة جوانب وكل جانب له مفكريه ورواده ونظرياته وكل نظرية تحاول ان تنظر الى الموضوع من زاوية خاصة تتلائم مع منطقها العام اي تقدم جانبا واحدا من الصورة فجانبنا الذي سنتناولة اذن هو الرسالة الفنية وما يجب ان تطرحه من مضامين اعلامية ذات قيمة ثقافية قابلة للفهم والادراك ومؤدية للتغير . وبما ان العمل الدرامي هو اعادة خلق الواقع ولا يسلم بالواقع البحت ( فالانسان زائد الطبيعة ) ينتج عملا ابداعيا غير الواقع المعاش . وعندما يعرض العمل الفني على المشاهد تتولد لديه تساؤلات وقد تنبهه على واقع نفسي كان يلازمه ولكن لم يدركه من قبل. و قد يعيد حساباته وبناء خبراته التي سبق وان كونها . فتكون عملية التذوق الفني قد خلقت حالة ابداع داخل المتلقي او المشاهد و هنا تكمن قيمة العمل الفني من خلال ادراك المتلقي للرسائل المرسلة من قبل العمل والتأثر بها .وبهذه المقدمة نكون قد تعرفنا علي فن الدراما و كيفية تذوقها. ولذا سأناقش مسلسل( زمن العار) والوقوف على رسائله الاعلامية والثقافية للتعرف على ملامح مجتمعنا مستعينة بهذه المفاهيم وما تحمله من معاني كمعيار للحكم . (فزمن العار) عمل فني واقعي للكاتبين حسن سامي يوسف ونجيب نصر واخراج رشا شربتجي .يتناول المسلسل قصة اسرة سورية من الطبقة الوسطى ومن بين افراد هذه الاسرة بثينة( سلافة معمار) والتي تدور حولها معظم الاحداث فهي فتاة متوسطة التعليم وعانس بسبب مرض والدتها الذي تطلب منها البقاء حبيسة الدار للعناية بها فلم تكمل تعليمها ولا تحب القراءة ايضا . و ترتب على هذا البقاء القسري اذن ادارة شؤون المنزل بكل مفرداته حتى نسى الجميع او تناسوا انها انسان ولها حق العيش كما لهم .وبسبب كثرة الضغوط والحرمان وقلة المعارف والحيلة تقع بثينة في مشكلة عاطفية حيث لم تستطع مقاومة غواية زوج صديقتها الوحيدة (جميل"تيم حسن") فتجد نفسها متزوجة منه عرفيا وبدون علم الاهل وتكون نتيجة هذا الزواج الحمل سرا واثناء رحيل والدتها المفاجئ والمدبر من قبل اهمال الاب لها في لحضة الازمة (خالد تاجا) تقع هي وسرها تحت اضواء الاسرة والمجتمع لتبدء بعد ذلك عذابات جديدة في حين تبدء المزايدات بأسم الشرف من قبل افراد العائلة والمجتمع الضاربين كل القيم الجميلة عرض الحائط متناسين العار الحقيقي والاكثر خطورة على المجتمع و الذي ينخره من الداخل والمتجذر على اياديهم كالرشوة والغش والكذب والنقاق واستغلال الاخر. فلذا تتلقى بثينة قسوة مضاعفة من جانب هؤلاء البشر العار فعلا .جسد الادوار في هذا العمل الدرامي عمالقة الفن السوري وهم كل من بسام كوسا ,سلافه معمار, منى واصف, تيم حسن ,خالد تاجا ,سمر سامي ,سليم صبري, ديمه بياغه ,واخرون. فأضفوا على واقعية العمل واقعية الاداء و حرفيتة المهنة . ومن خلال هذه الدراما حاول كادر العمل( المرسل) توجية عدة رسائل في غاية الاهمية والخطورة للفت انظار الناس والمجتمع والمعنين اليها . فللوهلة الاولى يتناول العمل مفهوم العار في المجتمع الشرقي العربي المرتبط عادة بفقدان الفتاة لعذريتها بغض النظر عن الجاني الحقيقي و الظروف الاجتماعية والانسانية التي ادت بهذه الفتاة الى هذا المصير. وهذه الرسالة الاولى من العمل (في الظاهر العام) والتي يجب ان ينتبه اليها الجميع فالتباعد العائلي وعدم الانسجام فيما بينهم جعلهم الاخوة ألاعداء .ومثل هذا المشهد الواقعي نجده حاضرا في كل مجتمعاتنا العربية وبقوة. فبثية اذن لانها الاخت الكبرى والانثى اصبحت كبش الفداء الفعلي في هذا الواقع المترجم لدور المرأة الخاطئ و المتمثل بتحملها كل اعمال المنزل و خدمة الجميع وعلى حساب انسانيتها فلا يحق لها مايحق لغيرها وكأنها خلقت للخدمة و بغض النظر عن أرادتها او رغبتها وانما لانها الانثى و الاخت الكبرى والعانس والسبب الاول في عنوستها هو رفضوهم تزويجها بحجة مرض والدتها وأصبحت تلقب (عانس)حسب موروثات بالية هدفها القضاء على تطور المرأة واخذ دورها الفعال في المجتمع. وهنا حكموا عليها بالموت البطيئ وبدون رحمة .وبهذا تكون العائلة من اول الجناة على المرأة فجاء العمل ليخاطب المجتمع لتصحيح بعض الاخطاء الموروثة .وبهذه الالتفاتة نفهم كم هو مجتمعنا ظالم باعتماده على الموروثات الخاطئة عن الاخت الكبرى الغير مستقلة اقتصاديا و التي وجبت عليها الطاعة العمياء وبدون وجة حق في حين العالم المتطور لا يفرق بين الرجل والمرأة ولكل منه تقع علية جانب من بناء المجتمع والمتمثلة بالحقوق والواجبات المناطه به ولا وجود لمفردة العانس في حياة المرأه اطلاقا .اما الرسالة الثانية عن ظلم المجتمع للمرأة المتمثلة بالخصوع والاستسلام والتبعية للرجل فلا يجوز لها ابداء الرأي او حتى المناقشة .والجانب النقيض الناتج عن رد فعل على الواقع المرير هو تطرفها المتسلط وبدون وعي( كزوجة جميل) وجاء تسلطها هذا من قوتها المادية المدعومة من قبل اهلها المتجذرة اعمالهم في ابتزاز الناس لجمع الاموال فكل ما يبنى على باطل فهو باطل .والصورة الاخرى للمرأة الجشعه (الموظفة او البطالة المقنعة)والتي وجدت نفسها في مجتمع لا يهتم ببناء الانسان وانما يبني روح التفرد وغرس الانانية في النفوس فالفرد فيه لا يهمه الا نفسه فأصبحت كالذئب ان لم تاكلهم اكلوها. ولذا اصبح همها الاول والاخير جمع المال بأي شكل من الاشكال وبحجة حقها . و لتجربتها القاسية اصبحت بارعة لتحصل على ما تريد وبنفس انانية مفزعة لتلبية رغباتها بالحصول على المال عن طريق الرشوة وبدون تأنيب ضمير لانها حللت واقعها نسبة الى ما تعلمتة من المجتمع فاصبحت عندها الامور عادية جدا ومن حقها ان تتصرف بهذه الطريقة وتحررت ولو نسبيا من قيود الاهل والمجتمع . ونرى المرأة بكل الطروحات في( زمن العار) غير سوية فهي مغلوبة على امرها وتجري وراء السراب وغير منتجة وجاهلة رغم تعليمها وهنا نصل الى ان المرأة في المجتمع العربي نتيجة تربية الاسرة و المجتمع الخاطئ وبمختلف مؤسساتة العلمية والثقافية اما مظلومة مغلوبة على امرها واما قاسية متسلطة جشعة تهوى المال والمال فقط وتبحث عن الزوج وبكل الطرق او بضاعة تباع و تشترى كالسلعة لأجل المال والرجل وبهذا صور لنا المسلسل ان نصف مجتمعنا اي عالم المرأة بأكمله يحتاج الى تغير ووعي تقافي يعي دورها في البناء والتربية الصحيحة للابناء ليتم انتشالها من الحضيض والتهميش والجهل المرعب التي هي عليه . اما الرسالة الثالثة في العمل هو غياب الدولة بالكامل فالفقر والمرض والضياع والرشوة والجهل وتسلط ابناء المسؤولين وتصرفاتهم الغير مسؤولة ومستقبل ابناء الفقراء الضائع والاجواء الغير صحية و المتجسدة فى العشوائيات التى ستأكل البلد بأكمله وشعار البقاء للاقوى وصاحب المال هوصاحب الكلمة العليا وان كان جاهلا وهذه الحالة نجدها في كل البلدان العربية فالانهيار اذن ات لامحالة ان لم تنتبة الحكومات لدورها الحقيقي والفعال في بناء الانسان والمجتمعات واعادة النظر في خططها الرامية للتنمية البشريه المتمثلة في التعليم والصحة والسكن والانتاج والنهوض بألاقتصاد لضمان مستقبل الاجيال لانه مستقبل البلد . اما حال الرجل نراه في الرسالة الاعلامية الرابعة للعمل نموذجا مغلوبا على امره لا يعرف ماذا يريد وماذا يقرر ولا توجد لديه اي خطة مستقبلية واضحة لانة اسير المادة والفقر والجشع والجهل والحرمان الجنسي .فمهما كانت عنجهية وسطوتة وتمثيله دور الاب الظالم او الزوج الفاشل او الاخ المطاع و المتسلط يكون لا شئ امام سطوة المرأة العلوب. فنراه طفلا مطيعا منفذا لكل رغابتها كما لمسناها في حالة فراس والاب .اما الرجل المثقف فهو مركون على الرف كالكتاب في وقت تعتبر فية القراء ة لا نفع منها لانها لا تعود على صاحبها بالمال الكافي حتى للعيش الكفيف .فالمثقف في الوقت الحاضر لا يستطيع العيش لانه رافض الرشوة والغش والتملق. فنجده غارق في ديونه ومشاكله العائلية لعجزه على جلب المال بالطرق السليمة .وبهذا يكون المثقف ليس لة دور يذكر وان وجد فهو بالكلام فقط .وفعلا هذه هو حال ودور المثقفين في الوطن العربي فدورهم محدود لا يتعدى مجال الكلمة التي تموت بانتهاء اليوم وهكذا دواليك .اما الرسالة الاساسية والاخيرة في هذا العمل هو العجز الكامل عن حل هذه المشاكل لانها اصبحت متجذرة في المجتمع وبمساعدة الغياب الكامل للوعي الثقافي ولدور الدولة او الحكومة الغير فعال و التي تعتبر هي رأس البلاء والتخلف وادواتها هو القسر حينا واللامبالات حينا اخر. لذا نرى الدائرة تدور من جديد وبنفس القوة و المشاكل والازمات فبمرض الاب وتسلم بثينة زمام العناية به وبشؤون البيت من جديد تكمن عبقرية العمل ونجاحه في توصيل الرساله. فالعار كل العار ان نرى كل هذه الموبقات ونعتبرها شطارة وانتصار واصبحت الرشوة بدل الكرم والكذب بدل الصدق والغش بدل النقاء والحب سلعة تباع وتشترى والمرأة في دوامة والرجل مشلول بالكامل وايضا سلعة لمن يدفع اكثر وهكذا دواليك . فيا ترى هل من معجزة ننتظرها لكي تخلصنا من هذه الدائرة المغلقة ام المبادرة بالفعل ومن قبل الجميع بترتيب الامور من جديد . فالعار كل العار زيادة سلطة العار ومفرداتة الجديدة والتي اصبحت مستساغة من قبل الجميع .العار كل العار ان نرى ضياع الامة وانهيار الاخلاق وتفشي الرشوة والجشع المادي والارهاب والقتل وغياب الحقيقة وفساد كل من المرأة والرجل على حد سواء. فالمجتمع في ضياع والناس بين المرض النفسي والعضوي لكثرة الضغوطات والمشاكل وفقدان ابسط متطلبات الحياة كحرية الرأي والمسكن والامن . فهل لما طرحته المخرجة دراميا لافكار كل من الكاتبين الجليلين يستوجب منا اعادة النظر في حساباتنا لبناء وتشذيب خبراتنا التي بنيناها بمفاهيم خاطئة لنكون مبدعين ايضا بأيجاد الحلول ولو كانت افتراضية المهم ردود افعال ايجابية؟ الجواب متروك لكل من تذوق العمل و استوعب رسائلة الاعلامية !ولكن اليس الصبح بقريب ؟ وبهذا نرى ان( زمن العار) ادى وظيفته الاعلامية في زمن خلطت فيه الاوراق واصبح الفرد لا يفرق بين الصح والخطأ وشمولية العار للكثير من الافعال والعادات السيئة الدخيلة. فعبر وبصدق عن واقع مجتمع عربي مريض ومشاكل مزمنة تتطلب العلاج جذريا وبأقصى سرعة فجاءت المشاهد مستساغة جماليا الامر الذي استوعبنا رسالته الاعلامية الهادفه التي تدعو لتغير الواقع المعاش .ولكن خارج اطار المسلسل لعبت الفضائيات دورا لا يقل اهمية عن العار المتفشي في مجتمعاتنا ببث الاعلانات على حساب الذوق العام فكان الفاصل الاعلاني اطول من المشهد الدرامي لانه هو الاهم في العرض .ومهما تنوعت المسلسلات يبقى القاسم المشترك بين اغلبها هو غياب عنصر التغير والمغامرة وخاصة ما بثته قناة الشرقية فهو التهريج بمعنى الكلمة والدعوة للكراهية بين ابناء الشعب والطائفية في وقت محتاجين فية الى منتج جريئ ومغامر لا يتردد في تغير نمط وشكل ومضمون الدراما العراقية لصالح بناء المجتمع دون ان يكون مهموما بهاجس العنصرية والربح الرخيص والحسابات الاخرى الضيقة.فالمجتمع العربي بحاجة الى اعمال فنية ذات رسائل تربوية ترفع من مستواه الثقافي. وتحصد نجاحة بالتفاعل المشترك لنبدء بالتغير واصلاح ما افسدته الحكومات وبأمتياز.
أ.د. اقبال المؤمن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق